الأحزاب الشيوعية العربية والأممية: مثال فلسطين ... محجوب عمر
June 4, 2012
*في مذكرة من “حزب الشيوعيين الفلسطينيين” إلى اللجنة التنفيذية للكومنترن، في موسكو (بتاريخ 17 تشرين الثاني/نوفمبر 1922) يرد في البند الأول من المذكرة طلب من الكومنترن: “للعمل على ضمان إرسال توجيهات محددة من اللجنة التنفيذية للكومنترن حول أهم مهمات الحزب وتكتيكاته تجاه القضايا الرئيسية”!* (“ماهر الشريف فلسطين في الأرشيف السري للكومنترن” . دمشق: دار المدى للثقافة والنشر، 2004. 496 صفحة.(ص 53).
*في إعلان مبادئ تنظيم الحزب الشيوعي الفلسطيني (يعود، ترجيحاً، إلى سنة 1920)، ولا يتضمن أية مهمات محلية خارج عموميات الكلام، نقرأ هذا البند التعليمي، القاطع والحاسم:
“إن الوسيلة لذلك [لإقامة النظام الشيوعي] هي الثورة الاشتراكية العالمية، التي تقيم ديكتاتورية البروليتاريا. ويؤمن الحزب، إيماناً عميقاً، بأن انتزاع السلطة من أيدي الأسياد الحاليين لا يتم عن طريق الانتخابات أو العمل البرلماني الدستوري، وإنما يتم فقط عن طريق الانتفاضة المسلحة وثورة الجماهير والشعوب المضطهدة” (المرجع السابق نفسه: ص 41).
*في قرار صادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفلسطيني (5 آذار/مارس 1924) هذه البنود:
– “يتسارع أفول الصهيونية من الناحيتين السياسية والاقتصادية.”
– “إن منظمة الهستدروت السائدة داخل الحركة العمالية اليهودية في طريقها إلى الانحلال.”
– “تنتشر شعاراتنا وتصبح جماهيرية في كافة أرجاء البلاد”! (ص 90).
*في قرارات المؤتمر السادس للحزب الشيوعي الفلسطيني، في نيسان/أبريل – أيار/مايو 1926 (وكانت الأكثرية الساحقة في الحزب من اليهود):
“إن الصهيونية تواجه واحدة من أزماتها القاسية. إن إفلاسها يعني إفلاس فكرة تحويل فلسطين إلى بلد يهودي، ويعني أن مستقبل تطور الأقلية اليهودية، التي تمثل 16 في المئة من سكان البلاد [كان هذا في سنة 1926]، هو في خطر، ما لم تتحرر هذه الأقلية [اليهودية] من تأثير الأفكار الصهيونية ومن خداع الإمبريالية” (ص 150).
*في رسالة مؤرخة 25 تشرين الأول/أكتوبر 1931، بعث بها الشيوعي العربي “أحمد”، باسم الحزب، إلى شخصية قومية يسارية، يدعو فيها القوميين اليساريين العرب إلى النضال معاً ضد الإمبريالية والصهيونية، ولتحقيق استقلال البلاد، ويطلعه على أهداف الحزب للاشتراك معاً من أجل النضال في سبيلها، ومن الرسالة هذه البنود:
– “إن الهدف الأول الذي يناضل الحزب من أجله هو طرد الإمبرياليين والصهيونيين من فلسطين، وضمان استقلال البلاد التام وإقامة حكومة العمال والفلاحين”!!..
– “ويناضل الحزب من أجل نقل أملاك الدولة وخائني استقلال البلاد إلى أيدي الشعب بإشراف حكومة العمال والفلاحين”!…
– “كما يناضل الحزب من أجل تقديم الدعم إلى الشعوب العربية الأُخرى في نضالها لطرد الإمبريالية، وتحرير هذه الشعوب من نيرها، وإقامة حكومات العمال والفلاحين”!.. (ص 321).
*في تقرير عن أوضاع الحزب الشيوعي الفلسطيني (25 آذار/مارس 1924) تشكو القيادة أن أعضاء الحزب متحدرون إليه من أحزاب شيوعية أوروبية، وكذلك من حيث كانوا أعضاء في الحزب الشيوعي اليهودي (بوعالي تسيون).. وتعلن القيادة أن هؤلاء الرفاق “تعوزهم القدرة على إقامة علاقات بالجماهير العربية، القادرة وحدها على خلق حركة ثورية في المشرق” (ص 94)..
*في تقرير من قيادة الحزب الشيوعي الفلسطيني (9 كانون الثاني/يناير 1923) مرسل إلى الكومنترن، يكشف هذه الوقائع: “… بالاستناد إلى الحراب البريطانية، تسعى العصابات الصهيونية في فلسطين إلى تجريد سكان البلاد الأصليين [أي: العرب]، من العمال والفلاحين، من أراضيهم، وإلى سلخهم عن جسم المشرق الثوري المتنامي، لتدعيم سلطة البورجوازية العالمية وإقامة قاعدة لحماية الإمبريالية البريطانية المتوحشة”.. كما يكشف التقرير أن البريطانيين والصهيونيين “جعلوا سكان البلاد الأصليين يعيشون في أشد حالات البؤس والفقر والبطالة في الوقت الذي يجلبون فيه إلى فلسطين مهاجرين جدداً وأسلحة جديدة لدعم التطلعات الأنكلو – صهيونية” (ص 60 – 61).
*في واحد من أوائل بيانات الحزب الشيوعي الفلسطيني، يعود إلى الفترة التأسيسية سنة 1920، كلام عن العمال اليهود، فقط، وعن يهود العالم كله “كشعب تاريخي” يحافظ على وحدته على مساحة العالم، و”أن الحزب الشيوعي الفلسطيني سيصبح الهيئة القيادية المركزية لكل الاتحادات الكادحة اليهودية…، وهو يطمح إلى تأسيس مركز عالمي لكل البروليتاريا اليهودية” (ص 42).
*وفي رسالة من جوزيف برغر إلى الكومنترن (آذار/مارس 1923) وقائع عن الصراع داخل الحزب ضد تأثيرات أفكار “الحزب الشيوعي اليهودي: بوعالي تسيون”، ويشكو أنه يوجد في الكومنترن من يستمع إلى آراء هذا الحزب، ولا يهتم بآراء “حزب الشيوعيين الفلسطينيين”، بل لا يثق به وبتوجهاته الجديدة نحو السكان العرب (ص 95).
*في فقرة من رسالة إلى الكومنترن (28 آب/أغسطس 1929) :
“برزت في الحزب، بين عدد من الرفاق، مشاعر معادية للسامية، عبرت عن نفسها في الدعوة إلى الاتحاد مع العرب حتى في تلك الحالات التي يسيرون فيها خلف شعار (ذبح اليهود). وتسود هذه المشاعر بين الرفاق من أصحاب التوجهات اليمينية” (ص 235).
*في مذكرة من اللجنة المركزية للحزب (في 31 كانون الأول/ديسمبر 1929) إلى القسم الشرقي في الكومنترن، إذ تحمل المذكرة ردوداً على مذكرة أرسلها “شامي” (أي: إيلي تيبر) إلى الكومنترن، ينتقد فيها التوجه المعادي للصهيونية في قيادة الحزب، ويقول: “إن النضال ضد الصهيونية يجب أن يقتصر على تعزيز عمل الرفاق اليهود بين الجماهير العربية”.. بما يؤدي، عملياً، إلى إضعاف نضال الحزب ضد الأيديولوجيا الصهيونية.. فتردّ عليه مذكرة قيادة الحزب بالقول: “إن تصفية معاداة الصهيونية في عمل الحزب لن تعني سوى الاستسلام أمام الصهيونية، والتخلي عن الرصيد الذي كونّاه إلى الآن في النضال ضد الصهيونية” (ص 246).
*في رسالة من حيدر (أبو زيام) بتاريخ 17 نيسان/أبريل 1930، يستنكر سلوك اللجنة التنفيذية للكومنترن، الذي يتجلى في “عدم الثقة الأبدية بقيادة حزبنا”.. وفي الرسالة هذه نزوع يهودي وما يشبه الحذر من الانحياز إلى العرب، في قيادة الكومنترن، تحت ستار التعريب (ص 268).
*وفي رسالة من نداب (ناحوم ليشنسكي)، بتاريخ 1 حزيران/يونيو 1930، إشارات إلى أن الإيقاف الموقت للهجرة اليهودية إلى فلسطين أحدث احتجاجاً من الدوائر الصهيونية (وهذا طبيعي) وارتياحاً في دوائر الحركة الوطنية العربية (وهذا طبيعي أيضاً).. لكن في الرسالة فقرة تكشف موقفاً كامناً لدى بعض القادة اليهود في الحزب، ينتقدون نداء عربياً في الموضوع نفسه، إذ تقول: “… أمّا النداء العربي فهو يكشف خيانة القوميين العرب الذين يتحدثون عن إيقاف الهجرة بوصفه انتصاراً كبيراً للحركة الوطنية، وذلك لحرف أنظار الجماهير عن النضال ضد الإمبريالية”!! (ص 275).
*ويتحدث سعدي (نجاتي صدقي)، في رسالة بتاريخ 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1930، عن الخلافات داخل الحزب وداخل القيادة نفسها، أساسها مسألة التخالف، أو التوفيق، بين النزعتين القوميتين: اليهودية والعربية.. والخلاف بين منظمة يافا – المتكوّنة من رفاق عرب – وبين قيادة “مركز الحزب اليهودي”.. وشروط المنظمة للعودة إلى الحزب، ومنها مثلاً: “أ – التعريب الحقيقي….؛ ج – قيام المساعدة الأممية الحمراء بمساعدة العرب كما تساعد اليهود؛ د – التعاون مع القوميين الثوريين [العرب]….؛ ز – أن لا يعمل معهم رفاق يهود (معرَّبون)، ولا رفاق عرب (مهوَّدون)” (ص 292).
*هذه الخلافات والتفارقات بين الرفاق اليهود والعرب داخل الحزب، والاختلاف في النظرة إلى القضية الوطنية وإلى تدفقات الهجرة اليهودية، إلخ، برزت في مناقشات المؤتمر السابع للحزب الشيوعي الفلسطيني (كانون الأول/ديسمبر 1930). ففي كراس صادر عن المؤتمر إشارات إلى بعض هذه الخلافات، منها أنه برز تقدير مبالغ فيه للدور الطليعي للأقلية اليهودية.. “مما أدى ليس فقط لإضعاف تيار تعريب الحزب بل وإلى عرقلة ذلك” (ص 299). وبعد تبيان بعض الأخطاء، ومنها عزلة الحزب عن تحركات الجماهير العربية، جاء في الكراس: “ظهر في الحزب…. انحراف يميني انتهازي للتعصب الوطني اليهودي الذي اتخذ في بعض التشكيلات الحزبية (حيفا) صفة صهيونية بحتة…. ولم تدرك [اللجنة المركزية] ولم تلاحظ نمو الانحراف الوطني اليهودي المتعصب، وسلطت نيرانها الأساسية على الوطنية العربية ورأت من واجبها التفكير في إيجاد عبارات للاستمرار في عرقلة التعريب” (ص 300). ويبدو أن قيادة الكومنترن تدخلت لتعديل ميزان القوى داخل قيادة الحزب، بما رأت أنه يُبعد عن الحزب خطورة التعصبات القومية والانقسام، فجاء في الكراس نفسه: “لوحظ التحسن الهام في أعمال الحزب في الشهرين الأخيرين فقط [أواخر سنة 1930] حينما قامت الدولية الشيوعية [الكومنترن] بتشكيل قيادة حزبية [للحزب الشيوعي الفلسطيني] بأكثرية من الرفاق العرب” (ص 300).
*يورد القيادي “فريد”، في رسالة بتاريخ 28 نيسان/أبريل 1932، عدداً من “المقولات” التي يبثها متطرفون – من الجانبين – داخل الحزب، منها ما يحمل حكماً سلبياً قاطعاً على العامل اليهودي كيهودي، في القول مثلاً: “إن اليهود جميعهم صهاينة ولا يجدي العمل معهم”.. والقول كذلك: “العامل اليهودي فاشي ولا يمتلك الحق في العمل”.. تقابلها “مقولات” أُخرى تحمل أحكاماً سلبية مماثلة على العامل العربي (راجع ص 332).. ويورد كاتب الرسالة أحداثاً عن خلافات وصراعات تشير إلى صعوبة – وربما استحالة – الجمع بين هذين العنصرين في حزب يساري فلسطيني واحد، في فلسطين هذه التي يدفعها التحالف الأنكلو – صهيوني إلى الانقسام.. والتقسيم.. والاحتراب!
*وفي هذا السياق نفسه، من السلب والإيجاب، ما ورد ضمن قرارات الاجتماع الموسع الرابع للحزب الشيوعي الفلسطيني (4 تموز/يوليو 1933) بصدد التفارق بين توجهات الحزب نحو المنظمات والنقابات العربية – بحسب توجيهات الكومنترن – وبين التوجهات التي لا ترضي بعض القيادات اليهودية في الحزب. فقد ورد في القرارات الإشارة التالية في تقويم توجه إيجابي لقيادة الحزب: “لقد كانت اللجنة المركزية قد قوّمت، بشكل صائب، قيام نقابات عربية مستقلة، وتمثَّل أحد منجزاتها الكبرى، في الفترة المنصرمة، في إقامة صلة مع بعض المنظمات القومية اليسارية العربية” (ص 377).
*من برتوكول اجتماع مكتب التنظيم في الكومنترن (2 آذار/مارس 1925): “ناقش المكتب مسألة العمل في فلسطين، وأصدر قراراً خاصاً جاء فيه: ترى اللجنة أن الحزب، بعد أن اتبع تعاليم الكومنترن، راح ينشط بين العمال العرب، ويسعى إلى إقامة صلات مع المنظمات القومية العربية، والمنظمات الفلاحية، وقد تعاون الحزب تعاوناً وثيقاً مع الأحزاب الشيوعية الوليدة في البلدان العربية المجاورة” (ص 124).
*السكرتيريا السياسية للكومنترن، وخلال اجتماع لها (في 4 شباط/فبراير 1927) تلح على الحزب الشيوعي الفلسطيني في ضرورة التوجه العربي والمساعدة على إقامة اتحاد فيدرالي بين الأحزاب القومية، والعمل أيضاً على إقامة اتحاد بين الأحزاب الشيوعية العربية الناشئة.. ولا يمل الكومنترن من ترداد الإلحاح في “ضرورة تركيز اهتمام الحزب على تحقيق مهمة التغلغل بين صفوف الجماهير العربية…. والانخراط النشيط في النضال الوطني التحرري وإقامة علاقات وثيقة مع الحركة القومية التحررية العربية” (ص 169). ويقترح قرار الكومنترن وسائل عملية لهذا التغلغل وما سوف يتيحه للحزب.
التعليقات على الموضوع